اهتماما واعتزازا بلغتنا الجميلة آليت على نفسي تتبع تموقعات وتموضعات وتحركات رمز هويتها حرف الضاد العتيد ، ولعل ما أثار استغرابي أني لا أجد الضاد إلا متورطا في تشكيل كلمات ذات مضامين بعيدة كل البعد عن الجمال أو أجده في مواقع مشبوهة لا تليق بمقامه الرفيع وسمعته الطيبة ، وإذا استثنينا كليمات كالضحك والضوء والضياء والضحى والفضيلة والمعرض والدار البيضاء ، والمناسبة شرط ، لم نعثر أو قل عثرنا وتعثرنا عبر أكوام وركام الكلمات المظلمة معنى ودلالة ، مثلا كالضريبة والضراء والضر والضرر والضرة والضرب والمرض والاحتضار والانقراض والقرض والاقتراض والتبضع والضمانة والضيق والتضييق والضيم والضجر والانقباض والغموض والفيضان والأعراض والإعراض والاعتراض والفرض والفروض والضمور والمضض والحضيض والمخاض والوضع والحموضة والضباب والضنى والضنك والضباع والضفادع والضواري والانقضاض والافتضاض والأضراس والعياذ بالله والعض والقضم والمضغ والهضم والمضمضة والضلال والضالين والمضلين والضحايا والضمير مستترا أو سافرا. وهلم جرا فالباقةأو الاضمومة ليست سوى شويا من بزاف أو غيض من فيض غزير لاينضب
وإذا كانت الحروف جميعها بشكل أو بآخر متورطة في هذه الازدواجية البغيضة والشيزوفرينيا المهيضة، مع تفاوت نسبة هذا التورط بين حرف وآخر، فإنك واجد من يجد لكل شيء تبريرا ولكل حال تفسيرا ،معتبرا الحروف كالناس لا فرق على الاطلاق أو كبعض الناس وربما أغلبهم ، فأنت ترى فلانا طيلة اليوم في المسجد وتراه ليلا بالملاهي والكباريهات ، ولا غضاضة في ذلك حسب رأيه ورأي الحروف / اللي حسدو يدير بحالو /ودين ودنيا/ وديها ف شغلك /وبقا تابع الضاد حتى يديك الواد ويهزك الما ويضربك الضو /، وتذكرت الضوء واندهشت كيف كان مصنفا ضمن خانة جميل الكلمات ، فإذا به بين عشية وضحاها أصبح ضاربا ، وضاربا في القبح، وتركت استغرابي لأن هذه أقل أفعال ومقالب وعادات الضاد ، فهو الضوء إذا شاء بأثره وهو الضوء بلسعته والضوء بضخامة فاتورته ، وهو الماضي بذكرياته والماضون لا ندري إلى أين ، وللغة في حروفها شؤون ولا حول ولا قوة إلا بالله.
إنه لمن دواعي وبواعث الاستغراب حقا ، كيف لا تنجو حتى الحروف من المخاتلات والنفاق كبني آدم ، فتستقبلك بإشراق من خلال ضحكة في منتهى اللطف والتواضع وتشيعك كالأضحوكة بتشف واستهزاء ، ولها في ذلك حكمة، فلكل مقام مقال ولكل حادث حديث ولكل حال لبوسها ولكل وقت أذان ، ومن أعجب العجائب أيضا وأغرب الغرائب والحكايات مارواه الضاد لي شخصبا بإحدى المناسبات المنظمة تكريما له على غرار اللفتات الحضارية لتقدير المميزين ولو للحظات عابرة لنسيانهم إلى الأبد ، حيث أسر لي بأنه مل من موصول الحديث عنه هكذا بدون مسوغات ، قائلا بأنهم عينوه، فقلت له مبتهجا مبارك مسعود وميمون حتى هو ، هذا مدعاة للفرحة والمسرة ، وأين عينوك ؟ لم أسمع بهذا في نشرة الأخبار ، فغضب غضبة مضرية ودعاني أن أضرب صفحا عن الحديث معه مرة أخرى إن كنت لا أفهم مايقال أو أتعمد عدم فهمه كالكثير من المحسوبين على اللغة العربية حسابا بالأرقام كالأوهام والهوام.
واستطرد المسكين مستفيضا في مضغه وهضمه ولوكه للكلام ،محتجا بكون لغات النصارى والكفرة المارقين والمغرضين أصبحت تنظر إليه بازدراء كما لو كان ظاهرة تثير السخرية وتبعث على الشفقة أو شيئا لا ضرورة له ولا فائدة منه، وجوده كعدمه ، لاسيما بعد أن تأكد بالملموس أن ميزان الضاد راجحة كفته المليئة بمعيب وقيبح القول وأضداده ، وأن إشراقاته نادرة تكاد لا تذكر عبر القاموس ولو عبرناه طولا وعرضا وحتى لو ركزنا المجهر على أدق أدق الجوانب والزوايا ومابين السطور ، ناهيك على ما يتعرض له الضاد من ضروب الهوان، وبالضبط ، في المحافل التي انضم أو ضموه إليها وخصوصا على لسان القيمين على الترجمة الفوريةأو الترجمة السلحفاتية والمذيعات والمذيعاتبالقنوات الفضائية والأرضية وعبر الإذاعات والإضاعات للوقت دون أن نغفل البهدلة التي يخصه بها السيد غوغل نفعنا الله ببركته في تعريباته وتعجيماته الافتراضية الهوائية الخيالية وتذييلات الأشرطة
والأفلام فلا تدري أأنت تقرأ لغة الضاد أم تمتمات أقوام ماقبل اللغة والكلام، وقس على ذلك شتات اللهجات ا
... ، ومايعاني فيها الضاد من مسخ والتباس فلا تستطيع التفريق بينه وبين الدال والذال والطاء والظاء ويحكى والعهدة على الراوي، أن الحروف إخوان وأن الضاد والظاء على سبيل المثال لافرق بينهما إلا في تمنطق الظاء بعصاه لا يتخلى عنها أبدا مهما كانت الظروف، ولاحظوا معي أنه مصر على الاحتفاظ بها حتى في" لاحظوا" وفي" الظروف" أيضا ، وما يقال عن الضاد والظاء ينسحب وينطبق بالتبعية على الكثير من الحروف ومن بينها الصاد الذي لا مسافة تبعده عن الضاد إلا إتلافه لنقطته أو الطاء التي سقطت لها نقطتها لكنها لم تفرط في زرواطتها ، ولعل ما وقى الضاد ونجاه من هذه الآفات أنه منخرط في الرياضة ومزاول لها ضليع في شؤونها والدليل تواجده بناديها على عكس باقي الحروف الكسولة
كيف بالله عليكم تصبح الدار ضارا والظرافة ضرافة والذبابة ضبانة ، وقس على ذلك ، لا ما يعانيه الضاد فحسب بل عموم كوكبة الأبجدية، عندما تمسي الراء غينا في فاس فتصبح الرباط غابا وغابة، ويمسخ القاف الفقر فأرا، ويمسي الجيم زايا والشين سينا في مكناس فيتحول الجبل زبلا و الشكر سكرا ، ونحمد الله تعالى إذ لم تنقلب السين شينا وإلا فمع الموضة التى عمت الدنيا وأقامتها ولم تقعدها كنا سنسمع ونسمع عن حملات التحشيش بدل حملات التحسيس نسأل الله العفو والعافية ، كيف بالله عليكم تتحول البطاطا في مراكش إلى بتاتا وبالمقابل تصير أنت أنط ، وكيف تنبهم الدلالات وتلتبس فتصبح الروضة وما تحيل إليه كالجنة والحديقة إلى المقبرة فأنت تسأل أحدهم أين كنت فيجيبك فورا كنت في الروضة ويعني أنه كان في المقبرة و ما عليك في تلك الآونة إلا أن تسأله إلى أين أنت ذاهب ، وسيجيبك حتما إلى أنه ذاهب إلى الروضة ، فأحبب به من ذهاب يعفينا من هم اللغة وضادها ، وبعض الشر أهون من بعض ، وهذا في أحسن الأحوال ، إذ الأدهى والأمر أنك قد لا تجد للضاد أثرا وكل ذلك ليس محض صدفة وإنما بنية مبيتة ومع سبق إصرار إمعانا في تحطبم العربية وبالذات من خلال أيقونتها وعنوان تميزها
وإرضاء لضادنا وجبرا لخاطره وتخفيفا من حدة توتره وارتفاع ضغطه ، ارتأيت أن أدغدغ مشاعره بطيب الكلمات ، ولو قليلا وباقتضاب ،فذكرته بأروع إنجاز حققه بانفتاحه الزائد على لغات أخرى ، ولعل انفتاحه هذا حقا أروع إنجازاته التي لا ينكرها إلا جاحد أو حاقد ، ويتعلق الأمر تحديدا بالأمازيغية واختياره لأشرف وأنبل كلمة فيها وتخليد الكلمة بلمستين من لمساته الجميلة ، ومن منا لا يعرف "بضاض" ، من منا لا يحب بضاض ولو كان بضاض يرشي، والمقصودالتفتيت، وليس اقترانه بالورود والهدايا والمجاملات التي لا تنتهي ، من منا لا يحب بضاض أكثر مما يحب الحب ، فبضاض أرق نغمية وأحلى ، ومن الأكيد أن الضاد أغفل هذه الضرورة وهو يشكل كلمة الحب ومرادفاتها في العربية ، حيث نجده غائبا في الحب ومشتقاته مكتفيا بحضور باهت في كلمة يتيمة هي الضم لا غير، وللمعاجميين تأكيد أو تفنيد هذه الاشارة ، وإن كان الأمر محسوما من قبل ومن بعد مادام الضاد يتحايل للتواجد بكل الصيغ في هذا المجال الذي يسجل الجميع فيه غيابه الهائل ومن ذلك تشويهه للوردة في النشيد الشهير والآهزوجة ذائعة الصيت "الغزالة ياالوردة عليك يطيح الندى "، إذ أصبحت بإيعازه ومكره الغزالة يالورضة عليك يطيح النضى، وأقبح به من تشويه سافر بدخوله المستهجن صحة ، والذي لا نرى له داعيا إلا طمع الضاد في الغزالة ، لا حبا في اللغة، ولا في رونق الأهزوجة وموسيقاها
إن الضاد أغفل بالتأكيد القيام بإنعاش كلمة الحب وأخواتها مافي ذلك شك ، ولكن ربما تعذر عليه تسجيل حضوره البهي وصادف في مسعاه مضايقات لا نعلمها وقضايا نجهلها،فانجرف كالمعتاد خلف مقولته الخالدة كم حاجة قضيناها بتركها ، وهكذا ترك لنا كلمة الحب بالعربية متدنية لا ترقى إلى جمال وعذوبة نظيراتها في كل لغات العالم ، أمور ، لوف ، بضاض ، إلا بالعربية حيث كلمة "حب" خالية من أدنى وإيحاءات الإغراء والإغواء ،مترهلة أقرب ماتكون إلى الأمر الملزم أوالشتيمة بتركيبتها الممسوخة الطافحة جفاء وجفافا، والقريبة من آل وأسر وجيران الحبوب والحكة والحبة والحبس وباح وما إلى ذلك ، وجميعنا ندرك محنة الشعراء وهم يحاولون جعل الحب قافية لقصائدهم ونبضا لموسيقاهم فلا يجدون كلمات بروي بائي غير القلب والندب والسب والدرب والكلب وما شابه مما لايسعف في نظم قصائد ذات حمولة رومانسية حالمة ،وحتى لفطة العاشق لم تجد لها من البدائل عير كلمة مدنف و صب ، من الصبابة زعما ، أما الدارجة فحدث ولا حرج فالعاشق مزعوط ومربوط ومسخوط ولا . حول ولا قوة إلا بالله، والأغرب من كل هذا وذاك ،ذلكم الحضور الفج المفضوح والفاضح للضاد وتواجده العلني والمكشوف بلا حشمة ولا خوف في كلمة كالبغض ، وكان عليه من باب أولى تجنب هذا الانحياز السافر على الأقل مادام لم يتكرم بحضوره ولو رمزيا في الحب أو مشتقاته .
،
،
ومن باب إنقاذ مايمكن إنقاذه وإنقاذ ماء الوجه وإن شئت نقضه ونقده وإنقاضه ، لاضير في ذلك ،فاتحته في موضوع عشوائية دخوله أحيانا دخلتين في كلمة واحدة كالمضمضة والخضخضة والعضاض والقضيض وماشابه،أمرجع ذلك أنانية وحب للذات ورغبة في الظهور أو لمجرد التكرار وإبراز الحركة أو لأشياء لا يعلمها إلا هو،واغتنمت المناسبة لأسأله أيضا لماذا لا يختار صفا من الكلمات يدخل حماها ويريح ويستريح حتى لا يبقى متأرجحا بين ثنائية قطبية يختلط فيها النقيضان وتلتبس فيها المواقع فبادرني ثائرا /ديها فراسك/ وأعادها بالتفخيم /ضيها فراسك آش عندك ماتعرف الواحد هو اللي يكون قافز مع الوقت ويدور معاها فين مادارت وتلقاه هنا ولهيه/ تأكيدا لحضوره واستعراضه ،ويحدث الضوضاء والجلبة والصداع ويخوض خوضا غمار كل لجة ، وتكون قشابته فضفاضة يتحمل النهش والقضم والعض ولا يظل مهيض الجناح ضعيفا بل يقف منتفضا نافضا عنه غبار السكون والخمول والغياب وكل ضروب الوهن والدونية والسلبية .مناضلا . حسب ماتقتضيه الأوضاع إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا أويقضى على نفسه القضاء المبرم
لم أستطع معارضته وماكان بإمكاني إلا أن دخلت غمدي بالدال وبالضاد ، أعمضت عيني وتركته لحاله بل لأحواله التي حارت في أمرها الأذهان والعقول . وذهبت قاصدا منتدى الضامة قبل أن أتفاجأ بأنها أيضا مصابة بعدواه لأعرج فورا صوب أي بلاد لا مكان فيها للضاد، ناسيا إلى حين كل اهتماماتي وآيات تقديري واعتزازي ،سائلا له العافية وتمام العافية و ضوامها ، أعني دوامها.