الثلاثاء، 16 أغسطس 2011

أم الحمام قالت لا تخرجوا


 أ              أم الحمام قالت لا تخرجوا*
                                                   رابح التيجاني

                                   -1-
   وعندما تريد النملة عذابها تستعير أجنحة / نسرية المنقار تفتض غشاوة ليل مصنوع بين أربعة حيطان / تفتح دولاب الجوارب المستوردة ، تنتقي الحلو والأحلى المناسب والأنسب / أنيقة تعبر المحطات تطلب حق النزول حتى بالمزابل تواضعا وانفتاحا.
   قال اليهود : خسارة أن تكون عيون المسلمين سود ، قال اليهود ../وبالملاح كنت أجري طفلا دوليا بريئا أسرق طاقية من فوق رأس وأعيدها للعيون الصلصالية تصيح يا بوليس / نلاعبهم كرة القدم ننتصر بالسيف حفاة ، نعود للقصدير أواخر الليل يهودا نخشى الحبل المشبع ماء ينزل لاسعا ضريبة التأحر.
   تكوم اليهود نفخا في اليهود إلى حد الصهيونية وانتفخنا مسامرة نحكي ألف ليلة وليلة .. حمزة البهلوان ..المغامرات الغراميات الغارات على الأحياء المجاورة / قرأنا سطرا عابرا  عن النازية الفاشية فأشفقنا وجلسنا في آخر المطاف على أعتاب مبنى الأمم نستجدي الإشفاق قبل الحق / كنا عروبات لا عروبة / والعروبة بحيرة ترتمي خلفها أكواخ الطين عاجنة قدود صبايا للكراء / قرية تحرسها الحلفاء القتاد  البترودولار المستنزف الكلمة الطيبة القيم الإنسانية الأخلاقية المكبوتات أحلام اليقظة والمنام / أيتها المومس أغلقي الباب وهات حياة أو موتا تساوي عشرة دراهم .
  وكانت بوابات مدائن العرب القديمة تتعانق كلما جاء العصر والخسر وغارت القبائل / العناق تحطم .. خرجت البيوت في صف قطاري ودخلت عهود السيبة / أصبحت تتاجر تشتري الثورة كما تشتري الثور ، التغيير كما تشتري قطع الغيار ، التقدم كالبطاطس أيام البطاطس بالرطل .. تشتري لا تبيع احتياطا من دوائر الزمن وأعناق العام .
    " أم الحمام مرة قالت لهم لا تحرجوا " .خرجوا . أكلتهم الثعالب / إلتوى عنق العام ثعبانا على عنقي والفنادق ملأى تغوص ثم تطفو تقذف الجثث      إلى الشارع / كان الفرح رأسا للعام وكان الحزن عنقا / رأسا للثامن والسبعين هاربا من رصاصة منذ الخامس والستين لا تزال تجري ولا يزال هاربا / خرجوا / قرأوا . ما قرأوا .. كتبوا . ما كتبوا .. شربوا ..كذبوا / عادوا للدار سكارى من الحانة الغربية أو الحانة الشرقية واعتلى الشخير حلما بالصباح .
-2-
     ماذا تقول الفراشات للنار ؟/ كنت أعتقدك نورا / تقول البلاغة جناسا غير تام / يقول رجال المطافئ حريقا / حفارو القبور الغسالون عملا /الأطفال خبزا وتين ، عسلا وزبدة / المؤرحون واقعة / رجال السياسة مبررا لمؤتمر / الصحافة سبقا فريدا / أحباب الفراشات مأساة حبلى بالإرث وتصدعا في الجبهات الخلفية، حسابا مغلوطا لميزان الربح  والخسارة / ماذا ؟/ انجذاب النور للنار ..الحلم الوهم .. تقول ويقول وأنا ببوابات المدائن القديمة عربيا ربطة عنق أشد بقبضتي عنق العام وأسوي عقدة ربطة عنقه .
    تنقر الطيور المهاجرة المتاهات بلورات المرايا بحثا عن حجم فتنتها .. تأخذ إجازات وطنية . تتغافل عن القدس والصحراء المغربية . إسقاطا تعاطفيا مع كل بحارة السفائن غير المحروقة بالواجهات العربية .. تعود وخط الرجعة مفتوح لسفائن لم تهشمها أضلع طارق الملتهبة عروبة / يهرب من يفكر في الهرب / ولأن طارق جواز لا يجوز، جنسية مغايرة معرضة للفخص التفتيش الكراهية مجانا ، قال لهم" البحر وراءكم والعدو أمامكم" / جنود كانوا يدخلون بلاد العجم وجنود كانوا يرون الدخول خروجا من ديارهم / وجاء عصر الموت مع وقف التنفيذ ، الصلب مضاجعا الصبايا الغارقات في الكحول ، البوب ، الفلامنكو تحطيم العقل إلغاء المكبوتات حتى إشعار يأتي عند الصحو / آه أيها الإنسان العربي يا صديق فورد رفيق ماركس حفيد النبي / والنخلة ورقة في الهجير تساوي سحابة مظلة ليلا شتويا واعدا بالتمر  ، الشمس ، الظل ..مزيدا من الشمس العربية يعني مزيدا من الظل العربي تحت سوالف نخلة لا تزال تملك عقلا ، لا تزال تملك قلبا وامتدادا في الزمن من الأزل إلى الأبد / لكن الفراشات .. ماذا تقول للنار الفراشات ؟؟/ أجيبي يا نار أنت أدرى .. أنت أدرى .
-3-
    إذا رأيت السمك يشكو ضيق التنفس تحت الماء فذاك سقوط في فخ إغراء بقبقات قنينات الأوكسجين / لا يعجبن أحد لو اصطاد سردينة بقنينة هواء لا تشكو ضعف الخياشيم بل داء السل وكل العلل الصدرية / هذا عصر ينظر فيه الجمل سنم الجمل ويضحك استنكارا واستغرابا / عصر تبني هموم الغير وتجاوز هموم الدار / خرجت عقول العرب لتدخل التاريخ لتدخل القلب . لم تطرق الباب . مزقت صمامات الأمان . تولد الإنذار . الخطر . حالات الطوارئ . لماذا خرجت والتجول ممنوع شرعا وعرفا ، عقلا ونقلا في شرايين وأوردة الدم ، مضارب الخارجين عن القبائل ؟؟ / خرجت والبيت ماء وخبز وحصير / تشرب غير الماء هناك تلوك غير الخبز تفترش غير الحصير ، وعندما يخبو شعاع الوهم قد تذرف دمعة واحدة ، تغتسل بها ، تشتري أوساخا لبالوعة الحمام .. ينظر الناس للوسخ المشترى يقولون ولدت نظيفة بلا دم بلا كلام بلا حبل سري / منذ كانت كانت نظيفة . والله ما خرجت . كيف يغتسل الإغتسال تتنظف النظافة / من قال إنها خرجت ؟ .
   هو النمل يتسلق الدرج متسكعا بحثا عن العسل دواء للبطن بالمقصورة والنمل منذ كان أجسام معصوبة البطون معدومتها تعمل طول العمر لا تفكر إلا في البطون ، ومن يفكر في البطن يفكر في دائه ودوائه / ولما كان بلا هم أو كان بهموم صغيرة ولدت له حمارته هموما كبيرة / طار جحا فرحا ، أصبحت عظيما عظم مأساتي ملهاتي ملأت الدنيا شغلت الناس منطقة نفوذ احترابية مصب التهافتات لقيادة الأرض / اختار النمل الأمراض المناسبة .. العلاجات المناسبة .. وقف بصيدليات العصر زبائن يشكو بعضه النحافة بعضه البدانة الأمراض المكتشفة غير المكتشفة .. وكان النمل شيئا آخر غير النمل شيعا تقدمية رجعية حسب أحوال الطقس والمزاج ، تلبس القاموس تسميات مصطلحات تنظيرا ، ترقص على نغمات كمان الصرصار ، تطحن القمح المستورد الكاغد المستورد . تخرج و تدخل / تدخل وتحرج /تخرج ولا تدخل /تدخل ولا تخرج / قيامة قبل القيامة وأم الحمام تهدل باكية فواجع فقدان أفراخ بهرتهم غابات الدنيا وما عادوا حتى ولو عادوا / آه عليك وآه منك يا وطن العرب التالف في الغابات .
-4-

  قطري بن الفجاءة ، حوف من الموت يسير إلى الموت باسم الشجاعة ، تبريرا للخروج / والأشياء منذ كانت تموت وحدها أو مقتولة بالتقسيط / " وما للمرء خير في حياة إذا ما عد من سقط المتاع " سقط المتاع وادعى النبوة .. قتلوه /الطرماح بن حكيم "ليكسب مالا أو يؤول إلى غنى " / عمران بن حطان يوما يمانيا إذا لاقى يمانيا ويوما معديا إذا لاقى عدنانيا / وكان  التعاطف إفرازا عدوانيا فجا بلا مذاق حكم انبهار / ماركوز إنسان بلا أبعاد أو بعد واحد مشدود إلى العصر أو حارج عنه / انحراف .. سلبا كان أو إيجابا / مقدور أن تعيش مشدودا .سيبيريا  فضة أنستهم الذهب و أمريكا قارة اكتشفوها لتعريهم / ماجت البواخر ، رأس الرجاء ، شطئان بوذا ، مشاعية بدائية إقطاعية ،رأس المال ، التوزيع العادل ، غير العادل ، الصراع  ، الطبقات ، الأجيال / وعندما دفن العالم موتاه فتح الشرق الأحضان فتح الغرب الأحضان وكان السقوط العربي بين بين أو على الهامش / امتصاصا طفوليا لرضاعة مهداة من الكبار تمنع البكاء خوفا من الغيلان .. تجعل النوم بعد أربعة عشر قرنا من النوم  و الصحو موتا /خضوعا للجاذبية . الفيتو . انقيادا . رسما للخرائط بالدم والفم / مسخا للقوة المناعة يسكنها دخيل فيروسي جرثومي ، يظل الجسم المشطور ألف شطر المعلول ألف علة يعالجه بالمضادات الحيوية . الإنتفاخ  الإنكماش / يشتكي عضو . لا يتداعى سائر الجسد سهرا وحمى / تشتكي كل الأعضاء يصير الجسد صيدلية ملأى بالعقاقير من كل نوع كل جنسية ممددا على مشارح الحلول أنصاف الحلول / لو يقف هذا الجسد عضوا واحدا يقف .
   يا ابن الفجاءة يا خروج اليد عن الجسم ، هبني سيفك لأقتلك ، ماذا أضفت للتاريخ ؟ حفيد يطلب السيف جائعا عريانا / يا ابن الفجاءة  خرجت أنت وها أنا كما ترى .. حفيدك .. سقط المتاع . ما كنا عربا / من قال كنا عربا وسنبقى عربا ؟ /آه يا قطري ما الخروج ما الدخول... يخونني علم الكلام السياسة التاريخ الإقتصاد الإجتماع الفلسفة ما وراء الفلسفة فأدفن نفسي في الشعر وأحيا  . لا حارجا  ولا داخلا .  واقفا بأبواب الأمل العربي . والله يا قطري لن تنفتح الأبواب إلا للعرب يملكون بطاقات التعريف الوطنية .
                                                                                                                                                      * فلسطينيات /نصوص معتقة
                                                      ( ملخق العلم الثقافي. 21 يناير 1978)



محنة ديك الجن الحمصي


محنة ديك الجن الحمصي
رابح التيجاني

*("أعملت سيفي في مجال وشاحها    ومدامعي تجري على  خديها
 ما كـان قتليـها لأني  لم أكن      أخشى إذا سقط الغبار عليها
 لكن بخلت على الأنــام بحبها      وأنفت من نظر العيون إليها
 فوحق نعليـها  وما وطئ الثرى       شئ أعز علي  من نعليها ")
                                      * ديك الجن

  
    تتزعفر أبعاد الوجه يا ديك الجن ، يسقط اللون ، يا أنت يا أنا، ديك الجن جد  وابن ،تتلف بطاقة التعريف ، فوق الرصيف ،والعنق يساوي ألف درهم ودرهم ،افتضحنا ، افتضحنا يا ديك الجن ، عرفوا الآن عنوان الإنسان المقتات بالغيرة والأحزان ، عرفوا الآن ، فلنهرب أو فلنشرب ،، قد يسألونني عن الحبيبة وأنت ميت تركتني حيا.لماذا تموت وتتركني ؟سأقول لهم أنت القاتل ،، ولأنك تموت مديونا ، ولأني أنت ،وارث شرعا فأنا القاتل، سأقول لهم وعزائي لي وحدي ، وبلغ المداحين البكائين النحابين أن تعازيهم مردودة- نفاق لا يناسب المقام -.

   محضتك النصح يا ديك الجن وما انتصحت ، كيف يحمل المسافر تعريفه في قب الجلباب يطير فجأة لو هبت ريح ،يتمزق لو بكت سحابة ،،،تجاوزنا الدوريات لا نخفي ممنوعا ولا مباحا – طوالا عابرين –فكيف حدث وضبطوك متلبسا بيدك حقيبة فيها حبيبة ؟ والحب جريمة حسب القانون والأعراف ، اختطاف أنثى وسحبها من الحرمان أو التداول العام إلى دائرة التعامل الخاص !!قلب مرسوم بالفحم على الجدار يخترقه سهم أو خنجر ودم يقطر باستمرار – الحب في خطر –أذكياء أطفال الحي ،صحيح إن الحب في خطر ، ولهذا نحتاج للعدل تزكية وتبريرا ، نبصم الأوراق ليرضى الغير على الخطر ،، والعدل عين غمازة وراء النظارة تسرق منى " ورد " التي أعتقتها واشتريت حريتها عبوديتها بالدينار والنار من سوق النخاسة ، أشعة سينية تنفذ إلى داخل الحقيبة تتعامى لو سافرت يدي إلى جيبي وعادت سالمة غانمة ،، تعبر الحقيبة قبلي ، نتبعها يا ديك الجن قلوبا تخترقها السهام .الحب في خطر .

     يقولون يا ديك الجن إن ثروتك حب وشعر ،، كثير عليك هذا والقبيلة ثروتها البغاء بدل الحب ، الخروج عن الشعر بدل الشعر ، ذهبها نحاس فضتها نقرة ،ولأنهم يقولون فقط ، واحد عشق النهدين واحد مات بين فخذين ثالث انتحر شنقا بالسالف رابع لايزال معلقا بالأهداب ،خامس يرسم القبل على شكل رقم ثمانية ذهابا وإيابا طالعا عقبة هابطا منحدرا – ما رأوها  - لمحوا جزءا وحدقنا متأملين يا ديك الجن في الكل ، لهذا اشترينا ورد من يد النخاس مطية لم تركب بكرا لم تثقب وكتبناها قصيدة ،أصبحنا بعد العماء الفقر القهر الهجر أثرياء، احتكارا للرؤيا ، والدنيا بكل اتساعها رؤيا من خلال سم إبرة الخياط تغازل الخيط لا يركبها إلا بعد شرود ، نافذة إغاثة بالحافلة تجري بسرعة المائة وأكثر ،تنطح عند كل منعطف شجرة ،تفر بجلدك عبها قبل أو بعد أو مع الآخرين أو تظل هناك فوق المقعد التحاما بالحديد صورة وخبرا عن حادثة تنشر يوما والسلام ،، سفر داخل الجلباب في المنعطفات لا ينتهي إلا بعد ارتطام وهروب من النافذة أو تسمر بالمقعد لقراءة إعلانات المواليد والوفيات بحثا عن الأسماء واسمك يا ديك الجن واسمي،، الدنيا بكل اتساعها رؤيا بعين مغمضة وعين مفتوحة وقلب راقص فرحة وألما . آه ياورد . هذا أنا أولد حيا فلا تموتي ،،وورد جارية مقتناة من دون سائر الجواري ، قيمة جمالية غير معرضة للتلف ككل القيم ،لازمة بيتها لا ترى عين الشمس عين القمر عين" ميدوزا " ولا عيون "سر من رأى " الحولاء الزائغة تخزر يمينا وشمالا تصيب الزرع والضرع الفتوة والفتنة ،، ورد مسبية تعتكف خرساء في وجداني ممنوع عليها أن تطل من الشباك على الشارع ولو ماتت جوعا ،يفكر بطنها دائما بصيغة المفرد ، والبطن يفكر بالمفرد، الجوع وحده يكون جمعا سالما كلما بقي الجوع ، جمعا غير سالم لو تسقط مائدة ، لا أحد يفكر في أحد والجميع يفكر في الجميع ما دامت الجميع بلا ريش ، لو يجتاز واحد سراط الجوع يشبع يغني والبطن عندما تشبع تقول للرأس غن ،موتي جوعا يا ورد ولا تأكلي بثديك ، ولا تطلي على الشارع حتى ولو بقيت مفردا داخل زنزانة ،، أنت المائدة لو تنزلين ..لا تقولي إن حمص ككل البلاد تستهلك الجياد العتاد الزاد العباد الأعياد الحداد المداد العناد الإنقياد ،لا تقولي حمص ككل البلاد ،خبزة يابسة قابلة للإبعاد مقابل كسرة مغموسة مرقا ،لا تقولي حمص ككل البلاد فكل البلاد في مقعدها يا ورد تجوع وتقرأ ولا تستبدل جلدها عند نهاية كل مقال أو بداية جوع جديد .

 يحكون أن الصفر وجد عملا ، أصبح ذا جاه ومال ،، قصده المليون ليتوسط له في العثور على عمل ، وقف منتظرا بباب المعمل وما خرج الصفر ، فجأة تراءت له الثمانية قادمة ،سألها عن الصفر ، ضحكت حتى استلقت على قفاها ثم قالت أنا الصفر يا عزيزي ، من شدة الجوع عصبت بطني وها أنا كما ترى .صفران*1 .مأساة الصفر أنه يصبح صفرين عندما يتحزم ويترزم – تصوروا الصفر مشدود الوسط –العامل أكثر بطالة من العاطل . ماذا تريد ؟ألا تزال مصرا على البحث عن عمل أيها الرقم الضخم ؟ سمع ديك الجن ما سمع وعاد من حيث أتى إلى جوار ورد وأملى عليها قصيدة متراجعة عن التكسب – بطنا منتفخة بالبرد والقر تقول  بصيغة المفرد لو كان جداري زجاج لرأيت الدجاج وحليب النعاج وعرق بنت الحجاج *2أو بطنا تقول لو كان جداري زجاج لرأيت الزجاج خلف الزجاج يسحق الأمعاء والماء المهين متدفقا بين الصلب والترائب يقفز فوق ورد ليصنع في غمرة الأنفاس البخار العظام الحديد مشروعا لديك جن آخر يبدأ من حيث أنتهي وينتهي إلى ما انتهيت إليه صانعا ديكا جنيا آخر يتوله عشقا يعانق وردا ويقتلها محبة وغيرة وبدافع كل المشاعر الإنسانية.حنانيك . كيف نبحث عن عمل يا ديك الحن ونحن رأسمال وأرباب وعمال معمل ورد لتفريخ الديكة الجنية ؟

     ينـزل القلم مستريحا على حافة المرمدة خطأ ، لفافة التبغ ترحل خطأ أيضا على امتداد الصفحة العذراء حريقا حرائق ، أنتيه .أمسك القلم باليمنى السيجارة باليسرى وأتعلم ضبط الأمور ،الكتابة بالقلم تدخين السيجارة ،وتسرقني فكرة فأكتب بالسيجارة وأنفض رماد القلم ، أتعلم من جديد ضبط الأمور الأمور ،لو نصبوا الألف المهموز لكان الوصول إلى الحب ولو مترجما ،" أمور " الحب أمور ،الحب بالفرنسية أحلى هكذا تعلمت تعلمنا يا ديك الجن ، مرت أيام غزانا خلالها الإفرنج خلفوا ورد نصرانية وما كانت  rose أو  ..   fleur ورد كانت وردا ، امرأة على كل حال ، دلفنا بيوت النساء وغادرناها بحثا عن المرأة وما وجدنا المرأة لذلك اكتفينا بورد ،، وورد واحدة قلنا لها كوني كل النساء فكانت ،كوني المرأة المطلق في عهد العباسيات ، أصلا ونسخا للجواري والعارضات اللحم والأزياء بالبولفار الشيخات بالكباري العوانس بالحدائق المصونات المحتجبات بالسطوح بائعات الهوى بالدور والفنادق المراهقات بأبواب السينما والمدارس التجريبيات بالصالونات والفيلات رفيقات العمل الدراسة الحافلات ،الشمطاوات الكواعب القاصرات ، كوني المرأة المطلق فكانت ، آه صباحك غير طالع ياهذه ، قطارك تجره السلاحف عبر سكك قصبية تقضم السكة جوعا لا تحلم بالوصول إلى المحطة بقدر ما تحلم بالشبع والمغامرات ، سجلوا تأخير وصول قطار الشيخة إلى المحطة التي تعرفتم فيها على الإنتظار الثقيل ،سجلوا التأخير تعودوا على التأخير وتسجيل التأخير ، مهمة الرحالة مدمني الأسفار سيكتبها التاريخ للتاريخ التاريخ ، صباحك غير طالع أيها الشيخة ولو قلت bonjour، وأضحك وأضحك بالعربية ،شكرا لمن يصف الديك ضاحكا ، شكرا وشكرا لمن يصف جنيا ضاحكا ، وألف التشكرات لمن يصف ديكا جنيا غارقا في ضحكة واحدة ، ضحكة عربية ، عربية في عهد العباسيات والعباس هذا جد رأى حلما مزعجا فاستيقظ عابسا ، بالغ في العبوس وهكذا أسموه عباسا ،ورغم أن الأطفال يضحكون ما اجترأ أحد أن يسميهم بني الضحاك ، ورغم أن الأطفال يكبرون ما فكروا في تغيير أسمائهم دفعا للشرور والبلاء والحسد ،، دعوني أضحك أضحك بالعربية ، من قال ورد نصرانية وورد تروي الأشعار تجيد الضرب على العود والقلب وتصلي في اليوم خمس مرات ، من قال ورد نصرانية ومنذ أعتقناها يا ديك الجن من سوق النخاسة بالنفس والنفيس ونحن نحيا الألف ليلة وليلة بالعربية.بيتنا الليلة الأخيرة لا تغشاها عيون التجار أقنعة هارون ومسرور ،، أغار عليك ياورد ، أعلم أنهم لو سمعوا عبر شقوق الباب غناءك العربي لأحيوا بصوتك ألف ليلة أخرى ، لو سمعوا فقدتك  حضنا وجدانا ومعملا لخلق الأيام ،يمسخونك جارية عادية يستنزفون طاقاتك شعرا وطربا ، يغرقونك خمرا وذهبا ، يقتل بعضهم بعضا للفوز بك على انفراد ثم يبيعونك في نصف الليل للتجار صوتا مشروخا جفنا منفوخا رأسا مطبوخا لإعادة بعض التوازن الفضي الذهبي وتغطية عجز بيت مال المسلمين ،،أريدك يا ورد لي ، أريدك وأغار أيتها المرأة المطلق .

   لم يمنحك العباسيون يا ديك الجن جواز سفر لبيكال أو السويد أو الدنمارك أو هايد بارك ترى الحريم  عاريا بالشارع عاديا ، لذلك كنت أسير ورد ، مكبوتا رغم إدمان التفريغ ، لا تقل المواخير أو البيوتات لا تقل ،حبهم عملية تجارية يكون الخاسر فيها مسمار يدفع درهما أو بنك طائي يدفع أكثر لتكون السلعة أفضل .كلما زاد الدفع كان الوصول إلى تجاوب أروع مرورا بطريق  معبد وأسلوب غير معقد ، / حب يتحقق على مستوى الكذب والاضطرار بإضافة ما ينقص من دراهم إلى الطرف الضعيف في المعادلة / ونحن فقراء حتى ولو طرنا إليهم في شوارعهم المتمدنة بدل الأقبية والكهوف . فقراء ننتظر أيام الكساد لنقتني ما نعشق بأبخس الأثمان أو كلمة حنان أو بالمجان . لا يا ديك الجن ، لا ، لدينا ورد وورد لست أدري كيف تعلقت بتلابيبي وجاءت إلى الدار / الحب / والحب كما علمتني وعلمتك مبهم مرفوع إلى القوة الخفية العليا طرف في معادلة ذات ألف مجهول أحد مجاهيلها القلب الباحث عن المرأة المطلق /الحب/ دعني من حب كل الناس ، المعادلة ذات المجهولين سين الأولى وسين الثانية وعلامة تساوي التساوي قهرا وميلاد الحب كما تيسر ،حب كل الناس معادلة ذات مجهولين ، معلومة مغلوطة ،طرفاها خطأ يستدرج خطأ ، ،ياديك الجن ..آه وآه  وأي التأوهات أحلى عند سدنة العشق الشعر فنكتبها لنكون عشاقا شعراء ... وكتبت لي بائعة حبلى بغير ديك الجن ،، ألم أقل لك يا ديك الجن إننا جد وابن ، قتلتها بسلاح سارتري معاصر لا تعرفه أنت ،أعدمتها وجوديا ، تجاهلتها ، ماذا نقول ياديك الجن لورد ، نغار عليها ونخون ،نقتلها لمجرد الشك فيها في خيانتها ونخون ألف مرة ، وبعدها نحلم بجوازات السفر والتجريب .
      ليس سابقة أن يقتل الإنسان إنسانا ما دام قابيل فعل ما فعل . وليس سابقة أن أو بدعة أن تخلق ورد الخطايا بفتنتها / والفتنة أشد من القتل / ما دامت حواء قد خلقتها بتفاحها ،، مطرود يا ديك الجن من الدنيا إلى الدنيا عبر زجاج نافذة الإغاثة ، وابحث عن الورود بدل ورد ، عن النسخ بدل الأصل واغرق في ألف الخطايا ، فكل الخطايا إنسانية ،وكل الناس يمجدون ولو كذبا الإنسانية ،يمجدون خطاياهم لأنها خطاياهم .اغرق في الخطايا بدل خطيئة ، مرتكب الجرائم المتعددة يحاسب قانونا على جريمة واحدة كبيرة ، التعدد ظرف تشديد ليس إلا، وليكن التشديد التخفيف ، نحن يا ديك الجن نقضي عمرا كاملا وراء قضبان أو زجاج نافذة وكأن العمر دقيقة أو ثانية ، السجن الموضوع تخصيص للسجن العام ، اختصار للدنيا ، ما أحلى الاختصار ، ما قل ودل ، لا فرق البتة القهر التعذيب الجوع البرد،قهر تعذيب جوع برد ،سيان ، تخصيصا وتعميما ، عبث تشديدهم تخفيفهم ، عبث حتى الخطايا مادام قابيل فعل ما فعل ،وحواء فعلت ما فعلت ،أنا ديك الجن وأنت حفدة هذا الإنسان المفسد في الأرض المسجون بالأرض ، لذلك أنا برئ من قتل ورد براءتك  تماما ، برئ ما قتلت ورد ، برئ رغم أنني القاتل .
       محرم أيها البهاليل والبهاليل تعني السادة ،مجرم فوق العادة ،أقول البهاليل ومفردها بهلول لأثبت فصاحتي وطول باعي ، أنا ديك الجن الحمصي ،شاعر مغمور مدمن العشق الوردي قاتله من أجل أن نحيا عشقا ورديا ،، ما رأيكم ؟؟ أيهما تختارون تشريفا البهاليل أم السادة ؟ مجرم فوق العادة ، وضعتها تحت سيفي ، أعربت لها عن شكي وخوفي ، قتلتها اضطرارا واختيارا ، قتلتها لأني أحبها وضيعت على البهاليل لذة المسيو "ساد " قتلتها .

الرواية الأولى
هو عبد السلام بن رغبان ، لقبوه بديك الجن لشدة احمرار وجهه /احتقان وجهه فائض أو ضغط دموي يتفجر شعرا ، خجل فطري يتبرعم في حضرة الملاء الوردي أو شاهد قبرها ،حياء مكتسب عن الرؤية والرؤيا في المرايا العباسية / عمره حمولة أطنان قبل الميلاد بعد الميلاد وكيلو غرام اليوم الزئبقي ، ديك الجن شاعر ، ولأن وزنه ثقيل جدا فهو يكره الوزن ،شاعر ولأن اللغة لا تعدو أن تكون أكثر من لغة كان الديك شاعرية موقف داخل اللغة لا لغة ، شاعر ، ولأن القافية روي يلتهم نفسه نازلا إلى الهاوية مستجديا التصفيق كان بلا قافية ، ولأن العالم يعيش أزمة ورق كان يكتب لا يترك فراغا بالصفحة يخجل أن يملأ سطرا عريضا بكلمة واحدة ليجرف سوق عكاظ إلى الإنبهار الإستحسان الإستهجان مقابل ضياع بياض قابل لاحتضان كلمة أخرى كلمات أخريات في ليل الأمية الجهل التجاهل ،، ولأن البحر الطويل طويل طول العذابات ، البحر المديد مديد امتداد الجوع ، البسيط بسيط بساطة العقول / لأن البحور بحار /اختار ساقية يشرب عندها الكاسات لا يترك شيئا للصباح مخافة التلف الحموضة الخسارة ،عاكفا على اللذات يبكي كلما فاضت الكاسة أو العين على أطلال كربلاء يخزن دمعه تقية / ديك الجن شعوبي ،كذلك قال الراوي ، لكنه رزين متزن عاقل ،نقطة ضعفه ورد ،لذلك تحطيم ديك الجن ، إبعاده عن الساحة ، جس نبضه يأتي عن طريق ورد،، مرة عاد الديك من سلمية *3وجد الإشاعات الأخبار التشكيك الأصابع تشير إلى ورد ، قتلها غيرة نقمة حبا ، ، هكذا كان القتل الأول ثم البكاء المناحات الندم .
الرواية الثانية
تركت الدار ،هجرت حمص ،اشتغلت بثديها ،ضاحكت من يضاحكها ، غنت بكل اللغات ، منحت أسهما من أسهم معمل التفريخ ، وزعت الحب كما تيسر وعادت ، عادت ، حائط يسلمها إلى حائط يسلمها إلى حائط ، وردا ذابلا بلا لون بلا طعم بألف رائحة كريهة ،، انهارت على صدري ، هوت ، فهوى فوقها حد السيف والقلب المخروق بسهم غدرها .
الرواية الثالثة
 تقول الكتب إن ديك الجن فاجأ ورد تعانق غلاما ،، قتلهما معا ،أحرقهما ، صنع من رمادهما قدحين للشراب .*4 يشرب منهما ويبكي ، وعندما تنتهي الخمور ابتداء من الحمراء حمرة وجهه إلى الويسكي ، يبكي ويشرب دموعه ندما .
الرواية الرابعة
أبو الفرج الأصبهاني صاحب الأغاني ينفيك ياديك الجن وجودا وتواجدا ، ينسب حياتك إلى سليك ،، مرة كان هذا السليك ،عفوا ، كنت ياديك الجن بالغابة ، رموك بسهم ، عدوت هرولت إلى الدار نزيفا وكانوا وراءك ،، صعاليك القبائل ، خيرت ورد بين الموت أو الحياة بين أحضانهم ، خيرتها احتراما للشكليات ، قتلتها سواء وافقت أو رفضت ، قتلتها حبا واستئثارا بالورد يسقط مسبيا أمام الشوك . قتلتها وبكيت /أقتلك يا ورد أيتها المطلق ولا أتركك / وعندما طرقوا الباب وفتحت لهم ،، كان الأصدقاء يخبرونك أنهم تعقبوا الصعاليك وعادوا للاطمئنان عليك .*5 إبك بالخمر أيها العربيد مرفوعة إلى الدرجة الكحولية المائة واشرب الدمع اشرب الدمع جامدا إلى حدود الصفر ، هات منديل ديدمونا وتحسر عليها :
("أعملت سيفي في مجال وشاحها     ومدامعي تجري على خديها
ما كان قتليـها لأني لم أكن      أخشى إذا سقط الغبار عليها
لكن بخلت على الأنام بحبها       وأنفت من نظر العيون إليها
فوحق نعليها وما وطئ الثرى       شئ أعز علي من نعليها ")
                                       ديك الجن
تعقيب :
لم يصدقوا يا ديك الجن أنك القاتل أني القاتل ..لماذا لا يرتاح الضمير يتنكب التبكيت الندم الشعور بالذنب ؟ قالوا انفلت الصعاليك وقتلوها . كيف قتلوها ؟لسنا ندري / لم تشرق الشمس أبدا/ قالوا وأخلصوا لنا التعازي وها نحن جنونا وحبا نهذي. ما قتلنا أبدا ما قتلنا. نحن الجنون الهذيان الحب العظيم فقط . أبرياء يا ديك الجن أبرياء طوال العصر الآدمي دون دفاع دون مرافعات ، للديكة فطور الصباح ، للجن أسبوع رقص وجذبة ، للإنس زردة وللحيوان قصارة . هات يديك نحن أبرياء ياهذا . هات يديك .سلام .
صيغة منقحة لمطولة كتبت ونشرت سنة 1978
هوامش
1-       نكتة شعبية بتصرف
2-       صيغة تهكمية شعبية بتصرف
3-       و4-عن كتاب العصر العباسي الأول للدكتور شوقي ضيف ،صفحة 325و326 طبعة 1972 بتصرف
5-       عن كتيب "القصة العربية القديمة "لمحمد مفيد الشوباشي صفحة 92و93 سلسلة المكتبة الثقافية عدد106 أبريل 1964 بتصرف

الأربعاء، 3 أغسطس 2011

الشعر من مقترب إنساني

الشعر من مقترب إنساني
                                         
  رابح التيجاني

                          
   لتحديد الشعر كقيمة لامندوحة من تحديد مجموع القيم لأن الشعر خلاصة للتصور والتفاعل  مع مختلف القيم والمفاهيم ، الحياة ، الموت الحرية ،، الشعر تميز إنساني وتجربة عقلية تتأطر بالتموقعات  تجاه مجموع المشاغل الفكرية ، أربط الشعر بمستوى معرفي وليس بمجرد التربية الجمالية ، ولا أومن بمطلقية قيمة الجمال في الأدب وأحاول أن أجد تخريجا جدليا إبداعيا لللأدب في توجهاته نحو الواقع   جميلا وقبيحا.

          أعتقد أن التقليد والحداثة قضايا لايجب أن تطرح للخروج بالشعر من مجرد مناقشة الشعر إلى خاصيته أولا ، أتساءل أيضا وأشكك في غائية الجمال بالنسبة للأدب الثوري الواقعي وأعتقد أن مواصفات الشكل في الشعر لاتتفق مع شموليته إذ يمكن للشعر أن يستوعب كل أصناف التعبير ويوظفها لأنه أصلا مضمون قابل للتلفع بكل الأشكال التعبيرية وفنون القول ، أقيم تفرقة بين الشعرية والشاعرية فالأولى في نظري تناسق ونظام أو تحقق بين الاختلاف والئتلاف قد يتجلى في غير الكلام كالطبيعة والأشياء والكائنات ، والشعرية حالة تعنى النظام أو نظام الفوضى أو فوضى النظام تعني المعنى أو اللامعنىفهي موضوع حكم عقلي يلبسه الناس لما تواضعوا بشأنه على أنه جميل ،منظر غروب الشمس مثلا . أما الشاعرية فهي تجسد لمثل هذه الحالة من خلال الذات الانسانية كتابة أو تعبيرا ميميا أو رقصا أو موسيقى ، والشاعرية نسبية بالنظر لممارسها ، أرى أن الناس بشكل أو بآخر شعراء وقصاصون وروائيون ، فقط ينتفي الوعي لديهم بأنهم يفرزون أدبا وفكرا ، وليس من يكتب هو المبدع فحسب مع التسليم طبعا بتفاوت المستويات إتقانا وانحطاطا .
   
   الشعر سيكولوجيا جدل الوعي واللاوعي ، أدبنا القديم كان نزاعا نحو الوعي ،  الوعي باللغة بالمضمون بالبناء ، في حين أن أدبنا الحديث ميال نحو اللاوعي في اللغة والطروحات والمضامين .

       الشعر عمل عقلي في حالة يكون فيها العقل طفولة أ جنونا أو شيخوخة أو لعبا أو نبوة أو فاقدا لصرامته وانضباطه المنطقي على الأقل ولكنه عقلي دائما ، أعتقد كذلك أن العلم والشعر توأمان وأن الفرق بينهما هو أن العلم شعر دخل مرحلة التنفيذ والتحقق ، فكرة الطيران مثلا . 

      ربما ارتبطت أحيانا صفة الشاعر بالجنون والعبثية والتفكير الخرافي البدائي الطفولي ، لذلك فأقرب الشعراء إلى الشعر أقربهم إلى عبثية التفكير وطفوليته من جهة وأقربهم إلى الجنون الذي يشكل أزمة عقلنة وانهيار مقاييس التفكير المعتاد لأن الجنون يعكس أزمة عقل يصبح نوعا من المعرفة الخارقة ولأن سذاجة الطفولة تعكس فهما وتفرز مقومات محددة وتصبح هي أيضا نوعا من المعرفة الخارقة ، لذلك أقول تعلموا الحكمة من أفواه الشعراء فالشعر جامع للجنون والطفولة وأقانيم أخرى .

        أرفض النمذجة ، لي اللغة ولكل قصيدة لغتها ، ومعتقد أن أحط مراحل الشعر باعتباره خلاصة مركزة لمعايشة الحياة هي سقوطه في التشكيل بين الاختلاف والائتلاف في التراكيب اللغوية ، ومقتنع كذلك بأن الجدل مبرر الشعر ومجاله وأن أروع الشعر ذو نفس ملحمي وخلاصة شمولية ووليد هيكلية التصور والمعايشة بعمق للحياة بقيمها وأوهامها وقادر على توظيف النثر والصورة واللون والصوت والايقاع بل والصمت عند التجلي .

       إن الشعر بالكلمة الموزونة الموحية في نظري اجتزائية وقصور عن الاستعمال الشامل لوسائل التعبير الانسانية ، وأعتقد أن شعر المستقبل لابد أن يكون اقترابا من الحياة أكثر ومنخرطا فيها وأعتقد أن أنسب شكل لتجسيده قد يكون المسرح أو السينما، وربما كان اللجوء إلى توظيف الرسم والخط في الشعر وتوظيف النثر وتوظيف الموسيقى وهذا تجلى قديما في السوالف مثلا وما تقدمه من قصائد محكية يرويها شاعر وهو يعزف لازمته على ربابة ، ربما كان هذا اللجوء إرهاصا بأن الشعر لابد أن يرسو في أوج عصوره على محطة يوظف فيها كل الوسائل التعبيرية المتاحة .

      حاولت من بعض هذه التلويحات إلقاء بعض الضوء على مفهوم أو تصور ما لهذا الشعر ويقيني أنه يستلزم مزيدا من التمعن والتفكير ومقاربة قضايا مرتبطة بالشعر من حيث فاعليته ومنهجيته وعلاقته بالفنون بالنظام بالفوضى بالانسان بالغرابة بالمعتاد من المعاني بصراع الواقع  بجدل الحياة بالفعل بوسائل التعبير بميكانزم عمل الدماغ بالنبوة والسحر والحضارة والبدائية ، علاقته بالنفس بالعقل باللغة بالغيبيات بالجنون بالطفولة بالكهولة بالفلسفة بالمظاهر الطقوسية بالفونولوجيا، هل الشعر استجابة عاطفية ، غرائزية ، عقلية فحسب ،وهل يمكن أن نعتبر الشعر علما من علوم الانسان ، إلى غير ذلك من الأسئلة التي بالإجابة عنها يستطيع الشاعر أن يفسر ماهية شعره وكيف يكتب ولماذا يكتب ولمن يكتب كما نردد دائما جاهلين أو متجاهلين ،وهل يكتب أصلا .     1981


                  
                                         

عن الشعر والأغنية والحب

عن الشعر والأغنية والحب
                                  رابح التيجاني

      كثير من المثقفين يستخفون بالكتابات المتعلقة بالحب ويستهجنون الأغاني الرائجة التي نسمها بالعاطفية ويعتبرونها مائعة وتافهة وسخيفة  وتجدهم خلف الجميلات يصفرون كالرعاة بين المواشي ، وأكيد أن الدفاع عن هذه الكتابات والأغاني يبدو رهانا خاسرا ،حقا هناك كتابات سخيفة ، أما الحب فهو قضية من أهم وأولى القضايا وطرحه عبر الإبداع ليس ابتذالا ، إن الحب في اعتقادي أعقد القضايا الإنسانية التي رغم كثرة ما قيل عنها تظل مغرية ومثيرة ، أليس الحب تميزا إنسانيا ؟ إنني واثق من أن الذين يكرهون هذا الحديث العاطفي والمناجاة وتلاوين التعبير عن الإنشداد للآخر هم يخلطون بين قضيتين : قضية الحب وقضية الجنس ، الجنس إلى حد ما ليس مشكلة ، مثلا عند الحيوان الأمر لايثير إشكالا ، وعند الإنسان كانت فوضى الجنس مثار صراع وكان التنظيم للجنس أيضا مثار صراع ووسيلة للضبط ولكنه دائما ظل مجالا سهلا يرتاده البشر بالطرق المشروعة أو غير المشروعة ، ولكن الحب شئ آخر ، إنه إلى حد ما قضية ميتافيزيقية ، كيف يستطيع الكائن الواحد أن يتخلص من أنانيته أن ينخرط في طريق التعاطف في مسار الألفة فرارا من الوحشة والعبث وبحثا عن المعنى وإكسابا للوجود نوعا من القيمة والتبرير؟ .

      إن حديث الحب ما لم يكن أصلا قناعا للجنس فقط ، والجنس المبتذل خاصة ، هو حديث بليغ ويتضمن نزوعا إنسانيا خالدا لا يمكننا بجرة قلم أن نلغيه مهما بدا لنا تافها ، إنه حديث يضفي على الوجود وتجارب الحياة ظلالا هي ما يفرق بين حياة الناس وحياة الحيوان ، وليس الإحتياج للمرأة مجرد احتياج عابر،إنه أكبر من ذلك بكثير، ولعل الجنس وسيلة من الوسائل وطريق من طرق الحب ، ولكن الكثير في غمرة تجارب الجنس يغرقون في أنانيتهم ، إنهم لا يحبون إلا أنفسهم ، إرضاء رغباتهم ، أما الإنفتاح على قلوب مشدودة إلى نفس الهموم وضائعة في نفس الطريق وباحثة عن الأجوبة ذاتها والآفاق ذاتها والغيب ذاته فأمر يبدو مبتذلا ، إن التعبير عن الحب حتى في أقصى حالات الإبتذال مثقل بخلفيات عميقة ، إننا نعاني الوحدة حتى إذا كنا "دون خوان"، نتخلص من امرأة لنصطاد أخرى ، نعيش في دوامة الحاجة البيولوجية وتلبيتها، ولكننا في الحب نتخلص من وحدتنا ، نشعر أن الإنسان ليس واحدا ، ليس وحيدا ، إنه التمازج والسير خطوة وقعها واحد في طريق موحش ، من يسلكه وحيدا لن يكون بحال من الأحوال إنسانا ، إن الحب تضامن تجاه الغيب والميتافيزيقا والواقع ، وهو بذلك إن تحقق يبدو أغلى مكسب وأغلى قيمة في الحياة ، به لا نصبح مجرد كائنات تصرف الأيام ولكن تصنعها ، وتصنعها بإرادة مشتركة تفكر في الذات وفي الآخر وفي الحياة وفي المستقبل والإستمرار .

      إن الكثير من الناس يعبرون عن الحب بسذاجة حقا ، وفي طليعتهم عديد ممن يكتبون شعر الأغاني الذي نشتكي جميعا من مضامينه السطحية المتجاوزة ، هم يريدون ، يشتكون الهجر ، ويعيدون ما تلقنوه من أصناف الشكوى ، بسطاء في تعبيرهم ، ولكنهم مع ذلك يصدرون عن عمق فلسفي قد لا يدركونه ، إن الحب غريزة كما الجنس ولكننا في سيرورة ابتذال القيم وتقزيمها وأمام معضلات الواقع نجد الحب كما لو كان حالة مرض أو جنون ، وقد اتهم العشاق الخالون بالجنون ، وهم كذلك حقا لأنهم في هذا العالم الأناني ، المريض بأنانيته ، المريض بجنونه ، استطاعوا أن ينصهروا في الحب ، في أفق  يصل بهم إلى ذواتهم عبر غيرهم ، استطاعوا أن يمدوا جسرا أمام الكائن البشري ليبلغ جزءا من معنى وجوده ، إنني أتساءل رغم كل ما قيل عن الحب هل نحن قادرون على الحب ؟ إننا في أقصى الحالات نمارس كذبا مفتعلا ، نحاول أن نتخلص من عدميتنا من عبثية وجودنا ، نحاول أن نرضي رغباتنا ، نمتلك امرأة وننجب أطفالا ، لا ندرك معنى إنجابهم كالحيوان تماما ، نرعاهم أو نتركهم لرعاية السماء ، إننا عندما نحب لا نتخلص من العبثية والعدمية ، لا نرضي رغباتنا فقط ،إننا نؤسس الحياة ،إننا نتحدى ألغازها ، إننا نعطيها الإستمرار ، إننا نتجاوز ضعفنا وضآلتنا ، نخلق القوة ونبعث القيم والمعنى ، لذلك فإذا نادى عاشق بابتذال أو بعمق فإنه لا ينبغي أن نتلقى نداءه بإدراكنا المحدود الذي تعلمناه عن الكبت والتفريغ ، إن الحب قضية أخطر من الجنس ، ولا أعتقد أن النجاح في الحب أمر سهل ، ولذلك يحق للناس أن يظلوا منذ كانوا يبكون حرمانهم ، ويحق لمطربينا وشعرائنا أن لا يخجلوا من أغانيهم السمجة الضحلة في نظر البعض ، وليبكوا ما شاء لهم البكاء بل وليندبوا ويرددوا المناحات في محراب الحب ، أليس ثمة من أتخمه ركام غرامياته وتنامي رصيد علاقاته ولا يفتأ يجأر بالشكوى والحنين ؟ هل نحن لا نعرف ما نريد ؟ أم ندرك من الحب مرحلة وتنحجب عنا مراحل؟ وماذا نقول عن الحب بعد أن تنتهي قوة الجنس ثم ماذا نقول عن الحب الذي لا يمكن أن يكون الجنس من أركانه ؟.

    إننا نفسر الإقتصاد بالإجتماع ، والإجتماع بالإقتصاد ، والجنس بالحب والحب بالجنس ، غير أني أرى بأن الحب قضية منفصلة حتى إذا ما ارتبطت بقضايا أخرى ، وهو في اعتقادي كما أسلفت أشبه بالقضايا الميتافيزيقية ، لماذا نحب ؟ ولماذا نحب هذه بالذات ؟ وكيف نحب ؟ وماذا نريد من الحب ؟ تلك أسئلة لا نملك جوابا نهائيا عنها ، نحب لأننا نحب ، ونحب هذه لأننا أحببناها ، وكيف أحببناها لاندري كيف ، ونريد من حبها ما نريده وما لا نعرفه أيضا .

      إن الحب ليس بالبساطة التي نتناوله بها ، إنه أكبر منا ، وإنه سر من أسرار تميزنا ككائنات إنسانية ، ولذلك فإن الإبداع في مجال الحب كيفما كان سطحيا يثير لدي من الأسئلة الكثير حتى ولو كان إبداعا ساذجا ورديئا لأنه تعبير عن هم وشاغل خالد ومشروع ، ولست أعتقد على الإطلاق بأن الحب قضية تنتهي ، إننا نحب دائما وعندما ننتهي من الحب تنتهي إنسانيتنا ولن نكون آنذاك إلا كالحيوان الذي لن يضطر بحال من الأحوال ميتافيزيقيا أو اجتماعيا أو اقتصاديا أو سياسيا أن يندب مأساته في الوجود باحثا عن الحب .

       إن الجنس بكل إيجاز احتياج بيولوجي بالدرجة الأولى ، في حين يظل الحب احتياجا عاطفيا ، لكن أنجح العلاقات تلك التي يزدوج فيها الجنس بالحب محققا احتياجا آخر ، احتياجا اجتماعيا توافق المجتمع على تحديده في مؤسسة الزواج . وعلى كل ، فإننا عندما نرفض عواطف بدعوى كونها رخيصة أو تعبير عن كبت فإننا في الواقع لانولي العواطف ختى في إطار الجنس ما تتميز به من إنسانية محاولين بذلك الإدعاء أننا حققنا إشباعا ولانعاني حرمانا ، في حين أن الجنس البعيد عن العواطف هو ممارسة لا نختلف فيها عن الحيوان ولا تحقق إلا إشباعا بيولوجيا ، أما الحب فيظل تميزا إنسانيا واحتياجا خالدا أكيدا اقترن بالوصل أو بالهجر . ثم ألا يجد الحب بكل تفاصيله متسعا له في قلب الخنادق وساحات الحروب ربما أكثر من فضاءات الحدائق وبين أسراب الحمام وأجواء السلام ؟ إن الحب خلاصنا حقا من اللاجدوى والعذاب .

    إننا عندما نحب يصبح لوجودنا معنى آخر ، ليس بالمفهوم الوجودي الذي يرانا كائنات مقذوف بها للعالم أو الكائنات الملعونة في الأساطير والمخلوقات التي جاءت للصراع والإبتلاء .

     عندما نحب تصبح كل القيم الخيرة أصل الوجود، نحب الحياة ولا نخشى غير الفراق ونتجاوز حتى الموت إذ نعطي للحياة الإستمرار والإستمرارإلى الأبد … 
(ذات يوم من القرن العشرين)