الأربعاء، 3 أغسطس 2011

الشعر من مقترب إنساني

الشعر من مقترب إنساني
                                         
  رابح التيجاني

                          
   لتحديد الشعر كقيمة لامندوحة من تحديد مجموع القيم لأن الشعر خلاصة للتصور والتفاعل  مع مختلف القيم والمفاهيم ، الحياة ، الموت الحرية ،، الشعر تميز إنساني وتجربة عقلية تتأطر بالتموقعات  تجاه مجموع المشاغل الفكرية ، أربط الشعر بمستوى معرفي وليس بمجرد التربية الجمالية ، ولا أومن بمطلقية قيمة الجمال في الأدب وأحاول أن أجد تخريجا جدليا إبداعيا لللأدب في توجهاته نحو الواقع   جميلا وقبيحا.

          أعتقد أن التقليد والحداثة قضايا لايجب أن تطرح للخروج بالشعر من مجرد مناقشة الشعر إلى خاصيته أولا ، أتساءل أيضا وأشكك في غائية الجمال بالنسبة للأدب الثوري الواقعي وأعتقد أن مواصفات الشكل في الشعر لاتتفق مع شموليته إذ يمكن للشعر أن يستوعب كل أصناف التعبير ويوظفها لأنه أصلا مضمون قابل للتلفع بكل الأشكال التعبيرية وفنون القول ، أقيم تفرقة بين الشعرية والشاعرية فالأولى في نظري تناسق ونظام أو تحقق بين الاختلاف والئتلاف قد يتجلى في غير الكلام كالطبيعة والأشياء والكائنات ، والشعرية حالة تعنى النظام أو نظام الفوضى أو فوضى النظام تعني المعنى أو اللامعنىفهي موضوع حكم عقلي يلبسه الناس لما تواضعوا بشأنه على أنه جميل ،منظر غروب الشمس مثلا . أما الشاعرية فهي تجسد لمثل هذه الحالة من خلال الذات الانسانية كتابة أو تعبيرا ميميا أو رقصا أو موسيقى ، والشاعرية نسبية بالنظر لممارسها ، أرى أن الناس بشكل أو بآخر شعراء وقصاصون وروائيون ، فقط ينتفي الوعي لديهم بأنهم يفرزون أدبا وفكرا ، وليس من يكتب هو المبدع فحسب مع التسليم طبعا بتفاوت المستويات إتقانا وانحطاطا .
   
   الشعر سيكولوجيا جدل الوعي واللاوعي ، أدبنا القديم كان نزاعا نحو الوعي ،  الوعي باللغة بالمضمون بالبناء ، في حين أن أدبنا الحديث ميال نحو اللاوعي في اللغة والطروحات والمضامين .

       الشعر عمل عقلي في حالة يكون فيها العقل طفولة أ جنونا أو شيخوخة أو لعبا أو نبوة أو فاقدا لصرامته وانضباطه المنطقي على الأقل ولكنه عقلي دائما ، أعتقد كذلك أن العلم والشعر توأمان وأن الفرق بينهما هو أن العلم شعر دخل مرحلة التنفيذ والتحقق ، فكرة الطيران مثلا . 

      ربما ارتبطت أحيانا صفة الشاعر بالجنون والعبثية والتفكير الخرافي البدائي الطفولي ، لذلك فأقرب الشعراء إلى الشعر أقربهم إلى عبثية التفكير وطفوليته من جهة وأقربهم إلى الجنون الذي يشكل أزمة عقلنة وانهيار مقاييس التفكير المعتاد لأن الجنون يعكس أزمة عقل يصبح نوعا من المعرفة الخارقة ولأن سذاجة الطفولة تعكس فهما وتفرز مقومات محددة وتصبح هي أيضا نوعا من المعرفة الخارقة ، لذلك أقول تعلموا الحكمة من أفواه الشعراء فالشعر جامع للجنون والطفولة وأقانيم أخرى .

        أرفض النمذجة ، لي اللغة ولكل قصيدة لغتها ، ومعتقد أن أحط مراحل الشعر باعتباره خلاصة مركزة لمعايشة الحياة هي سقوطه في التشكيل بين الاختلاف والائتلاف في التراكيب اللغوية ، ومقتنع كذلك بأن الجدل مبرر الشعر ومجاله وأن أروع الشعر ذو نفس ملحمي وخلاصة شمولية ووليد هيكلية التصور والمعايشة بعمق للحياة بقيمها وأوهامها وقادر على توظيف النثر والصورة واللون والصوت والايقاع بل والصمت عند التجلي .

       إن الشعر بالكلمة الموزونة الموحية في نظري اجتزائية وقصور عن الاستعمال الشامل لوسائل التعبير الانسانية ، وأعتقد أن شعر المستقبل لابد أن يكون اقترابا من الحياة أكثر ومنخرطا فيها وأعتقد أن أنسب شكل لتجسيده قد يكون المسرح أو السينما، وربما كان اللجوء إلى توظيف الرسم والخط في الشعر وتوظيف النثر وتوظيف الموسيقى وهذا تجلى قديما في السوالف مثلا وما تقدمه من قصائد محكية يرويها شاعر وهو يعزف لازمته على ربابة ، ربما كان هذا اللجوء إرهاصا بأن الشعر لابد أن يرسو في أوج عصوره على محطة يوظف فيها كل الوسائل التعبيرية المتاحة .

      حاولت من بعض هذه التلويحات إلقاء بعض الضوء على مفهوم أو تصور ما لهذا الشعر ويقيني أنه يستلزم مزيدا من التمعن والتفكير ومقاربة قضايا مرتبطة بالشعر من حيث فاعليته ومنهجيته وعلاقته بالفنون بالنظام بالفوضى بالانسان بالغرابة بالمعتاد من المعاني بصراع الواقع  بجدل الحياة بالفعل بوسائل التعبير بميكانزم عمل الدماغ بالنبوة والسحر والحضارة والبدائية ، علاقته بالنفس بالعقل باللغة بالغيبيات بالجنون بالطفولة بالكهولة بالفلسفة بالمظاهر الطقوسية بالفونولوجيا، هل الشعر استجابة عاطفية ، غرائزية ، عقلية فحسب ،وهل يمكن أن نعتبر الشعر علما من علوم الانسان ، إلى غير ذلك من الأسئلة التي بالإجابة عنها يستطيع الشاعر أن يفسر ماهية شعره وكيف يكتب ولماذا يكتب ولمن يكتب كما نردد دائما جاهلين أو متجاهلين ،وهل يكتب أصلا .     1981


                  
                                         

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق