كان تشكيلنا بطريقة عفوية ودون سابق تخطيط لمجموعة أهل توات التراثية
فتحا للدخول إلى البيوت من أبوابها معززين مكرمين، حفظنا ماتيسر مــن
المرددات والأمداح والأغاني لم نترك ليلة من الليالي إلا وحضرنا لنصيخ السمع
ونلتقط الأزجال والإيقاعات والأنغام قبل أن تشيع في الفضاء ونقفل عليها الذاكرة
والقلب لنتغنى بها ونعيد ترديدها بفرح غامر ونحن نكتشف روائع الأدب الشعبي
.الأصيل
ذاع صيت الفرقة عبر أرجاء المدينة ولم يعد أثرها محصورا في حي الزيتون
اقتحمت المجالس مجالس المعقول واللهو على السواء، وكان أمرا محتوما أن
"لايتم الاستغناء عن تطريبها وتفوقها في إحياء وإذكاء الليالي المشتعلة" الشاخذة
" رقصا و" جذبة وتحيارا" وهكذا كانت دعوتنا لمقيل للنساء بالمدينة . و"المقيل
أمسية احتفالية لنون النسوة وتاء التأنيث بكل طقوس الروعة ومظاهر البذخ
والزينة والبهجة،ما أشد فرحتنا كلما دعينا لمقيل وباعث فرحتنا ربحنا أولا لترك
الليلة لما يمكن أن نبرمجه من نشاط وثانيا لتميز أجواء المقيل فكأننا رائحون
لنزهة في الطبيعة الإنسانية بكل مفاتنها وجمالها وغرامها وغراماتها، وليس
المقصود الذعائر وإنما ما تتبرع به النسوة كلما اشتد طربهن أو كلما أقدمت
إحداهن على الرقص في الحلبة بفعل الانتشاء أو مكرهة للتفريغ بدافع مايعتمل
.في جوانياتها من مشاعر
ماذا أصف ؟ كل ما في الصالون الطويل العريض آية من آيات الإبداع المغربي
بناء ونقشا وتأثيثا وطعاما وشرابا ولباسا وبهاء و أخلاقا وتعاملا وسلاما وكلاما
وضحكات ودينامية وحركات وحيوية ونشاط ، كانت عيون الفرقة موزعة بالعدل
والقسطاس، لا أدري كيف اتفق ذلك،وكيف اختلفنا ، كل منا راحت عيناه في سفر
إلى جهة بالذات ، تسمرت عيناي طول السهرة في اتجاه ، وباقي العيون حولاء
زائغة مستسلمة للإغواء والغواية البريئة ترسل السهام ذات اليمين وذات الشمال
وجذوة الغناء في حناجرنا تحتد وتشتد ونعيد ونعيد والعرق يتصبب منا ولا
نتعب أبدا مادام الرقص في الحلبة ملتهبا،وإذا استرحنا لحظة عاودنا النقر
والعزف وبدأت القدود تتمايل من جديد،وكل يركز انتباهه على ليلاه،حمدا لله
لاختلاف الأذواق وإلا لكنا خضنا حربا ضروسا فيما بيننا لينتصر أحدنا ويفوزبالجائزة
الأولى، حمدالله فحتى الجائزة الأخيرة إن كانت ثمة أخيرة ، هناك من يتلهف شوقا لنيلها
ويراها أجمل وأبهى من باقي الاختيارات ويدافع دفاعا مستميتا مبرزا حججه للإقناع
أنتم لم تروا شيئا ، ماشفتو والو ، انصرفتم لصور السينما ولم تلمحوا فتنة
الواقع ، هذه ذات المحيا اللماح ، وتلك برشاقتها والأخرى بقدهاالمربوع وتلك
المكتنزة والنحيلة واللطيفة الخفيفة والرزينةالرصينة ، ولم نكن نحسم مبررات
اختيارنا إلابالتسليم بمضمون المقولة الصحيحة والتي لا يمكن لأحد أن يشكك في
صدقها " كل مليحة بمذاق " و" لاتوجد امرأة قبيحة على الإطلاق " فقط العيون
عمياءلاترى " و" من ييحث يجد" هراء وكلام نسعى من خلاله وعبره
للتأكيد بأننا أحسنا الإختيار، أما أنا فلست أدري كيف أجدني مشتبكا من اللحظة
الأولى قبل أن أتجول وأنتقي، أمد عيني لحظة قصيرة وما إن أهم بالتفكير حتى
أرتطم بنصيبي دون مقدمات وكأني كنت أبحث منذ زمن بعيد، وإذ تستقر عيناي
في محاجرهما ويكف عقلي عن الدوران أكاد أقرأ ما يجول بخاطرها وكأني
أعرفها ، شحنات وذبذبات ذاهبة آيبة مابيننا ، وكلما انقطع حبل الاتصال
والتواصل جددت الأغاني الربط والشحن ، بمنتهى السلاسة ، بالإيحاءوالإيماء
والتعابير التي لاتحتاج للغة ، الكل منشغل بعالمه في عوالم يجمعهاويفتتها ويعيد
.الفرح تركيبها في جمل ممتعة وشيقة مفيدة أو لا معنى لها
انتهى المقيل وأقبل الليل وكان حتما أن يتفرق مجمعنا ويقصد كل غاز بلده
،تثاقلت الخطوات وتزايدت كلمات الإطراء ووعود التعارف ، إلى اللقاء
وبالمعاودة إن شاء الله ،ومانكرهوش نتشاوفو ف القريب والله لا يخطيكم وتبارك
الله عليكم وكل أدوات الاستفهام ، من وأين وهل وكيف، وخرجنا تحفنا غمرة
.ذكريات طرية كافية لأن تمتد صلاحيتها إلى مقيل قادم
وقفت سيارة ربما كانت فياط127 بجواري أنا ورفيقي ، أطلت من داخلها سائقتها
ونادت بفرنسية منغومة مموسقة إركبا، نوصلكم، إلى أين أنتما ذاهبان ؟حنا؟
غاديين للزيتون ،وبالفرنسية المنغومة المموسقة ذاتها قالت ، الوقت متأخر
والزيتون بعيد ، نوصلكما ،نظرت إلى صاحبي ونظر إلي ،وسرقنا نظرةلداخل
السيارة لم نتبين بوضوح تام ملامح المنادية ولكن الأمر لا يحتاج إلى نقاش أو
استشارة ،والظلام حل وأناخ بكلكله ، دجاجتان بكامونهما ، ومن يصدق هذا
الخيرالعميم الآتي بدون عذاب ولا محن ولا توسل أو استعطاف أو رجاء أو
شروح مستفيضةلإثبات حسن النية وسلامة الطوية وانتفاء كل الأغراض
المشبوهة،ركبت جنب السائقة بعدأن ركب صديقي جوار صديقتها،ما إن أقلعت
:السيارة حتى خبطت بيدها على فخذي وهي تقول ضـــــــــــــــــــــــاحكة
MON CHOU
تزاد معايا الحال ، آشنو عاود تاني هاد مون شو أو مونشو ، أعرف مونشو
بمعنى مبطول اليد وأنا لاتنقصني لايد ولا رجل ، ارتبكت ولم أبادلها ضحكتها
كان علي أن أسألها كيفاش ؟ مناورة لتتضح الرؤيا ، أو أبادلها كلمتها وخبطتها
حدقت فيها مليا ، كانت تكبرني بأعوام لا أستطع حينها التفرغ لعدها وتقديرها
أكبر مني وصافي ، التفتت إلى صديقى كان واجما ، مركونا ومزحوما بصديقته
الخبيرة الكبيرة المجربة ،هي أيضا تاركة مقعدها محاصرة له في ركنه ، دفعته
فتكوم متقوقعا يحوقل ويسأل الله السلامة ، تساءلت بصمت من خلال قراءة عينيه
عن رؤيته للوضع وردة فعله ، كان واجما كعصفور في قبضة طفل عابث
هاهاها ، راه احنا الأطفال ، آش من أطفال ، قهرمانات دايات وجايبات ف الزمان
جميلتان وأنيقتان ولكن ماذنبنا نحن ، يالتعاسة حظنا وزاد الطين بلة أن
تراني مونشوها وأنا لا أعرف معنى لما تقصد ، وما ذنب فخذي حتى
ينال مبكرا خبطتها الضاحكة ، مصيبة ويالها من مصيبة ، أن تباغتك وتمازحك
وتضربك وتتوج إقدامها وجسارتها بضحكة مجلجلة أمر لا يبعث على الإرتياح
قطعا ، بل الاعتقاد المستساغ أن الأمر ليس عاديا بل إنه لمن الحزم سوء الظن
لاشك أننا سقطنا هدفا وأمسينا ضحية ، لاتجتمع كل هذه العناصر عبثا ، والأدهى
والأمر أن نخاطب بلغة لا نفهم لها معنى ، فتهيم بنا الظنون والتأويلات، مأزق وياله من
.مأزق ، بماذا أجدتني ثروتي اللغوية إذا هي افتقدت كلمة أو افتقرت حتى إلى حرف
.مأزق ، بماذا أجدتني ثروتي اللغوية إذا هي افتقدت كلمة أو افتقرت حتى إلى حرف
مر الوقت بطيئا وكانتا تتحدثان كثيرا ونحن كأبى الهول لا نحرك ساكنا
ولا يمكن أن نحركه حتى نعرف المقصود بمونشو ، سألتني مالكم ساكتين ، لم
نجب ، انتهى الكلام ، تعطلت لغة الكلام ولكن لم تعانق عيوننا في لغة الهوى
عيون صديقتينا كما غنى شوقي لجارة الوادي، لعلنا الآن رهينة ، يارب أفرج
عنا وفرج كربتنا ، التفتت إلى صاحبي كان يبحث عن باب غير موجود وكنت
بدوري أتمنى متى تنتهي الرحلة ، ضحكنا بالرغم عنا كالأيتام في مأدبة اللئام أو
قل حاولنا الابتسام حتى نحافظ على أدنى ما يكون من سمات الهيبة ، نطق
صديقي بأن الطريق التي يسلكانها لاتؤدي إلى حينا ، زاد الهلع، أحسن
الاحتمالات وأخفها أننا ربما سنفرح بإكمال ديننا بالزواج من مفتشتين عنا وعن
غباء كغبائنا بعدما فاتهما القطار ، وإلا فمن يصدق أننا لسنا على علاقة بهما
ونحن معهما داخل سيارتهما ، وقد امتطيناالسيارة بمحض إرادتنا مستبشرين ،
والشهود على ذلك ما أكثرهم ، وحتى لو افتقدا شهودا فكيف لنا أن ننكر وخبطة
كفها على فخذي لاتزال موشومة مبصومة يراها الأعمى في الظلمة ، إلى أين نحن
ذاهبون ، ؟ نزهة ، إلى نزهة جميلة مونشو ، عاود تاني ،مونشوها ، الله يدير
تاويل الخير ، نسينا فرحة المقيل وحاولت التأكد فيما إذا كانت الصديقتان لنا
رغم أنفينا ، حضرتا المقيل ، وحسمت الظن جازما باستحالة أن يكون
انشغالنا بجمال الموسيقى وبهاء الفاتنات ونورهن قد حجبهن عنا و أعمى بصرنا
وبصيرتنا بغشاوة فلم نلمح سوى ماهو جميل ، والقلب يعشق كل جميل ، وسقط
من حسابنا من كان يستهدفنا بعينين زائغتين مترصدا متربصا مع سبق الإصرار ،
لقد سقطنا في فخ أفعالنا ، وكما تدين تدان ، ومن حفر حفرة لأخيه سقط فيها ،
الآن فقط أدركت لماذا النساء لا يستدعين لإحياء حفلاتهم إلا جوقة من العميان ،
حتى لايجازف أفراد الجوقة بالنظر ويرد عليه الحضور بتبادل النظر وتحدث
الكوارث كالتي نحن فيها ، ووفق هذه المجازفات والتجاوزات المحتملة فلن يكون
غريبا أن تقام المقايل والليالي الملاح بالسماع لأجواق تجتمع فيها العاهات كلها
تلافيا لكل ما من شأنه أن يبعث على الريبة والشك أو يعقد القران بين النار والبنزين
ويتيح الفرص السانحة المواتية لألاعيب الشيطان لعنة اللـــــــــــــــه عليه، لو لم نكن
مغتنمين للمناسبة للاقتناص مااغتنمتها صديقتانا ، إنما لماذا لم يوافق هذه المرة
شن طبقة ، لماذا لم يكن نصيبنا مااخترناه ، لاحول ولا قوة إلا بالله ، وماتمشي
.غيرفين مشاك الله ، وكلها ونصيبو ، ونية الأعمى في عكازه
توقفت السيارة ، توقف قلبي أنا بعدا ، تبادلنا قليلا من الكلام والابتسام والزحام
لم يشفع لنا حبنا للأدب والموسيقى في اختصار اللحظة ، شكرناهما دون أن
نكون بالفعل نريد شكرهما ، لوحنا بأيدينا ونحن نودعهما ، عثرت وكدت أسقط
وأنا أسمعها تردد من جديد أوروفوار مون شو، كان في نبرة صوتها مايفيد بأنها
تداعب لعبة أو دمية وتتودد لطفل صغير بالتلميحات والمرددات التي نعيدها على
أسماع الصغار ونحن نسليهم ونتسلى بهم ، قالت لك مون شو، حالا سأرى من
سيكون هذا المونشو ، سألت صديقي ماذا ترى فيما حدث ؟ أجابني : كبارات
علينا ، كل ثور يحرث مع قرينه، كنا نحلم في المقيل لكن الواقع أيقظنا من أحلامنا
توجهت توا للقاموس بحثا عن مون شــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــو
حتى أستريح من تأويلاتي وأرى كيف كانت تراني ،وصلت إلى غايتي بسرعة
البرق : مون بوتي شو
Mon petit chou
تساوي وتعادل وتعني ياحبيبي ، كلمة للتلطيف والتحبيب والدلع ،بعد سلسلة من
الدلالات لكلمة شو أقبحها " طيط دو شو " وتعني رأس غبي ، ضربت فخذي هذه
المرة بيدي وأنا أصيح مون شو مون شو ،الله يسمح لينا من حق اللغة الفرنسية
، أسأنا بها الظن وإن بعض الظن إثم ، مون شو ، ياحبيبي ، مالفرق بينها وبين مون
أمور ، لافرق إلا أن مون شو رقيقة وتقال للصغار فتيانا وفتيات ومون أمور غليظة
وهي خاصة بالكبار شيبا وشبابا ممن فاقوا وعاقوا ، وشكون بحالي ؟
وهي خاصة بالكبار شيبا وشبابا ممن فاقوا وعاقوا ، وشكون بحالي ؟
بسرعة، وفور سلامها وسلامي، شن طن ، مون شو ، كم أنا محظوظ ، ولكن فات
الأوان، طيط دو شو ، لو فهمتها في حينها كانت علاقتنا ستكون أمتن وجلستنا
أحلى ولو أن الصديقة تجاوزت عتبة الطراوة و سن الحلاوة ، المهم أنني شو
وأدركت هذه المنزلة في ظرف قياسي ، شو في أعين الأعداء ومن لم يكتالوا
ومشوا صولو منفردين، بدون أنيس ولا جليس ، ومن فرحتي تماديت في بحثي
لأتعرف على عائلة شوبأكملها فصادفت شوشو
chouchou
ولا تبتعد عن شو في معناها وهي الدالة على الأثير والعزيـــز والمفضل
ووجدت صغيرةالعائلة وآخر عناقيدها : شويط
Chouette
ولي بها ولا فخر سابق معرفة عميقة كماكانت لي معها معاملات نظيفة في شتى
المناسبات و نقولها للرائع الحسن الأنيق الجميل المستحق للإعجاب
C’est chouette
وكم كان سيكون" شويط" لو أني فهمت" مون شو" لحظة قالتها مدام شرويط
للقصة بقية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق